ملجأ العامرية Amriya Shelter

ملجأ العامرية أو الفردوس أو رقم خمسة وعشرين هو ملجأ من القصف جوي بحي العامرية، بغداد، العراق، قصف أثناء حرب الخليج الثانية. فقد ادت احدى الغارات الاميركية يوم 13 فبراير 1991 على بغداد بواسطة طائرتان من نوع أف-117 تحمل قنابل ذكية إلى تدمير ملجأ مما ادى لمقتل أكثر من 400 مدني عراقي من نساء واطفال. وقد بررت قوات التحالف هذا القصف بانه كان يستهدف مراكز قيادية عراقية لكن اثبتت الاحداث ان تدمير الملجا كان متعمدا خاصة وان الطائرات الاميركية ظلت تحوم فوقه لمدة يومين
The Amiriyah shelter or Al-Firdos bunker was an air-raid shelter ("Public Shelter No. 25") in the Amiriyah neighborhood of Baghdad, Iraq. The shelter was used in the Iran–Iraq War and the Gulf War by hundreds of civilians. It was destroyed by the USAF with two laser-guided "smart bombs" on 13 February 1991 during the Gulf War, killing more than 408 civilians.

الخميس، 8 مارس 2012

موقع الجيش اللبناني على الانترنت/ مجلة الدفاع الوطني/ إنقلاب الصورة في معارك الصورة العربية – الإسرائيلية


تعتبر الحرب الأميركية على العراق الاولى في العالم بعد ثورة الإتصالات التي حققت ابعاداً تكنولوجية غير معروفة من قبل. فقد بان الاعلام سلاحاً موازياً للسلاح النووي والحروب الالكترونية والتكنو إقتصادية في أوجهها المختلفة.
وبفضل هذه المنجزات بدا الرأي العام العالمي وكأنه في قلب المعارك التي بدت أخف وطأة من حروب الاعلام بالصورة والمشاهد. فقد دفعت كثرة الصور وضراوتها ونقاوتها وسرعتها الى جعل المشاهد شريكاً فيها، وكأنه هو من يقاتل أو يقترف الجرائم أو يبكي الضحايا أو يتعاطف مع الأبرياء... إنها الحرب الكاملة في عين الدنيا.
وقد لا نبالغ في الافتراض ان صفة المتلقي التي طبعت العملية الاعلامية في عناصرها الثلاثة الى جانب المرسل والرسالة قد سقطت دفعة واحدة في تشظيات الشاشة، فغاب المتلقي الى مرسل جديد له أفعال وردود أفعال إعلامية.
وقد ظهرت الإنترنت للمرة الاولى شاشة قتالية مهمة، ،ومساحة غير خاضعة فعليا لأية رقابة سياسية بقدر ما هي معرض موسوعي مفتوح للصور التي تناقلها وتبادلها جمهور العالم.
يمكن القول في فرضية أولى بأن تبدلاً، ربما، يطول استراتيجيات الحروب ومفاهيمها العامة المعروفة، اذ تخطت الحروب الجديدة ˜الرقميةŒ المكان والميدان لتبدو حروبا بالصوت والصورة ولها وقعها المباشر في نسيج حركة الإستقطاب العالمي ودورها في تبديل التحالفات او اتخاذ القرارات وتعديلها وفقا لما تبثه الشاشات.
وتبرز الفرضية الثانية في دخول العرب الإعلامي تجربة الحرب محققين بذلك أول اختراق ملحوظ في صلابة الجدار الإعلامي الأميركي والإسرائيلي، والذي أسّس على مدى العقود السابقة لعقدة العرب الفعلية في هزائمهم المتتالية، والحجة التي كانت تستخدمها الأنظمة لتبرير عدم إيصال صوتها الى العالم.



         للمرّة الأولى في تاريخ الصراعات العربية، بدا الإعلام العربي يلاحق بالصوت والصورة تفاصيل المعارك وعلى مستوى معقول من المهنية والإحتراف. وباتت الفضائيات العربية على مستوى الأحداث من حيث التغطية أو التعرية الفورية، فقد دخلت لعبة الشاشة العالمية وساهمت في إبراز الصور والحقائق التي لم تتمكن دوائر النفوذ العالمية من طمسها كما اعتدنا في السابق، فرضت الشاشة العربية مشاهد المعارك والأسرى والجرحى والقتلى من قوات التحالف وشاهدها العالم بأسره، وولّدت ردود فعل فائقة الأهمية.
هذه التجربة الجديدة المغرية التي خاضها ويخوضها الاعلام العربي في المواجهة تعني العرب كلهم، ولا تقتصر جدواها او انعكاساتها أياً تكن طبيعتها على العراق وحده أو غيره من البلدان العربية.
تطرح هذه التجربة في أهميتها الحيّز الذي تشغله الصور في استراتيجيات الحروب، فقد يمكن نسيان الحروب لكنّ الصور تبقى أدلة للتاريخ. وعندما يلتقط المصور مشهداً أو لحظة من المأساة، فإنما يحاول تأبيد اللحظة التي تجعل العين لا تنسى، وتصبح الصورة ˜جوهرةŒ قابلة للإشعاع الدائم وحافزاً على الموقف والعقل والإنخراط في العصر الرقمي.
فما هي الصورة أساساً؟ وما هو دورها كمؤشر حضاري متقدم أو متأخر؟ هل أننا نعيش عصر استرجاع قيمة الصور التي منها انبثقت الحضارات الكتابية المجرّدة؟ وما هو الفرق بين حضارتي العين والأذن؟ واذا كانت الصورة بمعانيها وأبعادها المعاصرة هي ابنة الغرب وقد كان يصعب هضمها في الشرق، فكيف تحولت إلى وسيلة للهجوم المعاكس وما هي الأسباب؟
أليس في المفارقة بين عين الغرب وعين الشرق يكمن هذا التحدي الخاص بتقنيات العصر الحديث أو العولمة التي هي من ابتكار الغرب؟ هل هي صدفة أم مهنة؟
وهل نحن بعد ما حصل في بدايات هذه الألفية الجديدة على أبواب الصراخ بنهايات العولمة أو سقوطها؟
ما علاقة الصور بالموت من حيث قدرتها على التأثير، وكيف تكون الصورة المعاصرة هي القنبلة ˜الرقميةŒ التي غيّرت كل شيء بفضل الشاشة؟
ما هي العصور الفعلية للصورة وكيف نؤّرخ لأمَّهات صور القرن الماضي تدليلاً على قيمة الصور الاستراتيجية في ذاكرات الدول؟ وكيف تخدم الذاكرة في مخزونها وتجاربها منعة المستقبل؟
هذه الأسئلة وأسئلة اخرى كثيرة تدفعنا الى طرح السؤال الأول: هل نرى الصورة أم نسمعها؟ سؤال نطرحه من واقع الغزو الأميركي للعراق وللمنطقة بحثاً عن الصورة الرمزية للحرب.



6 - ­ معارك الصور وانقلاب الصورة
لسنا في صدد استرجاع مشاهد الحرب الأميركية على العراق التي أخذت عنوان ˜الصدمة والذهولŒ والتي خلناها ˜صدمة معكوسةŒ بسبب من ردود الفعل على الصور والتي جعلت حقيقة الحرب ضحية صورها، بل نحن في صدد إظهار النتائج النهائية لمعارك الصور التلفزيونية التي عاش العالم من خلالها هذه الحرب كواقع يومي جديد، على الأقل، بالنسبة للعرب، وأقل ما فيها أن العنوان قد أصاب الهدف المتوخى فسقطت العراق بسقوط بغداد والتمثال، وبقيت تجربة عربية على مستوى معركة الصور تستأهل البحث.
وهنا نسوق الوقائع التالية:
أ - ­ كانت صورة الحروب على مدى القرن العشرين الأداة الأبلغ في الترويج للحروب ورواية تفاصيل المعارك. وكان العرب في موقع متأخر في استخدام هذه الأسلحة الجديدة، ولا نغالي، اذا قلنا، ان أقصى الطموحات كان إيصال رسائل الى بريد القراء في الصحف الاجنبية أو صوت مناهض لما يحصل من أحداث. كان الإعلام العربي، في هذا المجال، ˜بالعربيŒ، لا يصل الى حيث يفترض إيصاله، ولأنه كذلك فهو كان يدور بين العرب انفسهم ليترك صوراً عامة حافلة بالتقاتل والتنافر والشرذمة وكل ما يناقض وحدة العرب.
ب - ­ مع التقدم التكنولوجي راحت تتلاشى الفواصل الزمنية التي لا تفصل بين لحظة وقوع المعركة ولحظة بث صورها. ففي الخامس من أيار 1821 إحتضر في جزيرة القديسة هيلانة نابليون بونابرت امبراطور فرنسا الذي كانت اوروبا ترتعش أمامه، ولم يصل الخبر الى باريس إلاّ في أول تموز عبر لندن، وقد اخذ الخبر اكثر من عشرة اسابيع حتى يصل الى إعلام القراء بذلك.
بينما طاف خبر مقتل الرئيس الاميركي جون كينيدي وصوره العالم كله خلال خمس دقائق ومنذ اللحظة الأولى التي أصابته فيها طلقات تلك البندقية السريعة من طراز كاراكانو، وبعد ذلك ببضعة أيام كان مشاهدو العالم يعاينون حدثاً آخر هو مقتل لي أوزوالد lee oswald المتهم بقتل كينيدي.
وكان هذا أول حدث دولي للقرن الماضي إذ فرضت الشاشة التلفزيونية وزنها كوسيلة أساسية حيث واكب العالم دفن الرئيس عن طريق البث المباشر ومن دون توقف نهاراً كاملاً.
وقد أدّى تقلّص الزمن الى تحولات في صور الحروب دفعتها من اللهاث وراء الحدث والتعامل مع نتائجه، الى مقام القدرة على المساهمة بصناعة الحدث نفسه وتحويره أو التأثير في اتجاهاته. وباتت الصورة مسألة قيادة كما قيادة الحروب. ويمكننا القول أنه بعد أربعين عاماً أدرك العرب بدايات هذه القوة للصور في معاركهم ودخلوا فيها بشكل لافت.
ج­ - كانت حرب الخليج الأولى على العراق حرباً بصرية حسمتها كاميرا الـ C.N.N الأميركية، وهي بهذا المعنى بدت افتراضية غير مرئية ولا تترك آثاراً كبرى لدينا.
فقد وزّعت المحطة جيشاً كبيراً من المراسلين والمصورين من واشنطن الى بغداد، وأتقنت من خلالهم لعبة الصور الى الحد الذي جعلنا نقرأ مقالات بعنوان ˜حرب الخليج لم تقع مثلاً تطرقت فيها الى هذه الحرب كما بدت على الشاشة التي جعلتها وكأنها لم تحصل فعلاً أو أنها وهمية، مع العلم بأن الشاشة أصبحت أكثر من مرآة بل إنها ميدان معركة.
واذا كانت الاخبار تصنع التاريخ الذي يصنع بدوره الجغرافيا فكيف نرى الى دور الأخبار المصورة التي تجعل كل صورة مبثوثة تقريراً اجتماعياً متحولاً الى مشاعر فردية سارة أو مؤلمة. إنه عصر On the spot الذي حوّل الصحافيين الى قدرات قادرة على توجيه الأحداث والمعارك، وخصوصاً في العمليات العسكرية على الأرض عندما يتراجع التحليل المكتوب عن القيام بدوره، وتتقدم الصور لنرى الأشياء تحصل فتمنحنا شعوراً بأننا نقرأ في كتاب مفتوح.
˜كنا نجد من جهة الصور ˜النظيفةŒ التي تقدمها المراكز الصحافية للبنتاغون وتلح على رؤية الإصابات الدقيقة للأهداف العسكرية من على شاشة الطائرة، في الوقت الذي لعبت الـ C.N.N وحيدة في بثها المباشر لمنظر الألعاب النارية في أثناء قصف مدينة بغداد. ولم تظهر لا على شاشات الطائرات ولا على شاشة الـ C.N.N، آنذاك، صور الـ 150 ألف قتيل من العراقيين التي أورثتها هذه الحرب. وحتى في المرة التي ظهرت فيها صور لأشلاء ضحايا ملجأ العامرية في بغداد الذي قصفته القوات الأميركية، فإن ادارة معركة الصور احتوت واقع هذه الصور لترويجها بأن الجانب العراقي هو الذي قام عمداً بقصف الملجأ أو أن النظام يستخدم المدنيين دروعاً للتمويه على وجود منشآت عسكرية بالقرب من المكان المقصوف.
وهنا تدخل معارك الصور في لعبة فائقة عنوانها:
كيف تجعل الصورة تكذب؟
الجواب: عن طريق الكلام والتحليل وخلق الأساطير Légendes أي باللجوء إلى ˜فبركةŒ كلام الصورة والتعليق عليها.
وبالإضافة الى ذلك، فقد تحوّلت الـ C.N.N في نشراتها الى Téléthon لنقل صورها المنتقاة عن محطتي الجزيرة وأبو ظبي واستعانت بالعديد من الصور الفوتوغرافية للشهداء وأسرى الحرب أو بصور منقولة عبر ˜الفيديوفونŒ وخصوصاً في المناطق التي وقعت تحت سيطرة القوات الأميركية والبريطانية.
وقد كان موقع المحطة على الانترنت بالغ التحيّز، إذ أفرز قسماً خاصاً من نشرته الدولية بعنوان Pictures gallery أي معرض صور، كان يبث منها الصور للمعارك يوماً بيوم. وقد قسّم هذه المعارض اليومية الى عناوين أربع:
Warfare وتبث منها صور الجنود الأميركيين يقدمون المساعدات الى المواطنين.
Reactions ركّزت فيها على ردود فعل العراقيين واستقبالاتهم الحارة لجنود التحالف.
Pows وفيها عرض لصور المعتقلين والأسرى الأميركيين على أيدي العراقيين وليس العكس.
Families of Pows وهي صور وتعليقات لردود فعل أهالي الأسرى والمعتقلين من قوات التحالف.
وقد ركزت هذه الصور بنسبة 9 لكل 11 من الصور على المساعدات التي كان يقدمها جنود التحالف الى المواطنين العراقيين. وبالرغم من تبني الـ C.N.N الكامل للسياسة الأميركية، إلا أنها كانت مضطرة أحياناً كثيرة الى إبراز وجهات النظر العربية عبر استعانتها بصور الأحداث التي تبثها المحطات الفضائية العربية (www.cnn.com).
د­ - غابت المسألة الديمقراطية كلياً عن حرب العراق الأخيرة، فبينما مارس الاعلام العربي ليبرالية مطلقة، لمسنا أن رقابة مشددة باتت صارخة على الاعلام الغربي.
لقد أدركت القيادة الأميركية أن نقل أنباء حربها الأخيرة وفقاً للأسلوب السابق بات أمراً مستحيلاً، والسبب أن تطور تقنيات البث المباشر بات مستباحاً في عصر العولمة، لدى جميع أقنية التلفزة في العالم، مما يحول دون التمكن من السيطرة على تدفق المعلومات والصور وتوجيهها بالأشكال المناسبة.
لهذا لجأت الإدارة الى بناء قاعدة اعلامية هائلة في السيلية في قطر، وجرى السماح لـ 500 مراسل ومصور صحفي بالإنضمام الى القطاعات العسكرية الاميركية والبريطانية التي قامت بدخول العراق.
وكان الهدف ˜تقديم أفضل الصور في أفضل ظروفŒ على حد قول الكولونيل فرانك ثروب المسؤول الاعلامي في قاعدة السيلية.
هذا الدمج بين الجندي المقاتل والصحافي المصور يتقاسمان الحياة الصعبة على أرض المعركة، جعل عدداً كبيراً من الكاميرات لا ترى إلا بعيون جنود التحالف. وما خروج ˜عيونŒ الكاميرات عن المسموح به من التقاط صور تثبط عزائم الأميركيين أو ترفع من حدة التظاهر والاحتجاج على الحرب في عواصم العالم، إلاّ مسألة تبقى تحت دائرة الرقابة. ولأن صوراً من هذا الطراز، تولد ميتة إذ تقع ضحية القوانين الأميركية التي تحول دون نشرها قبل ثلاثة أيام من وقوعها، ولهذا فهي تصل متأخرة وتبطل قيمتها الخبرية والتأثيرية، بالإضافة الى أن وسائل الإعلام الأميركية لا تتحمس لنشر مثل هذه الصور التي تدينها أساساً.
كانت الصورة تركّز على الإمعان في إبراز الدكتاتور صدام حسين كما أشرنا، بتماثيله وقصوره وأشيائه العتيقة وسياراته ومقتنياته وشعبه وعراقه بهدف اسقاطه.
كما كانت تركز في عين الغرب المستلقي على فعلي الغربلة والإنتقاء للصور المفجعة من المدنيين العراقيين، والتي غالباً ما كانت من بضاعة مراسلي الأقنية العربية، فيترددون في بثها، ويبقون على الأقل فظاعة منها.
هـ ­-  دخل الإعلام الأميركي ˜بيت الطاعةŒ لجنرالات الحرب الاميركيين.
وبان الفرق في بث الصور بين العربي والأميركي أو بين الأنا والآخر مسألة ثقافية مختصرها السؤال التالي:
هل نبث على الشاشة كل ما هو في المشهد ومهما كان قاسياً ومرعباً؟
هذا الفرق بين ˜كلŒ و˜بعضŒ المشاهد هو الجديد في معارك الصور الفجّة إذ انصرف العرب الى بث حقائق الحرب كلها وأخبارها ومشاهدها كما هي ومن دون أي خطة، وفي هذا ربما يكمن نجاح خطوتهم الكبرى في عالم الفضاء.
وبالرغم من أن فريقي الحرب المباشرين، أميركا وبريطانيا من جهة، والعراق والعرب من جهة أخرى قد استخدما معركة الصور الى أقصى الحدود بحذق ودقة متناهيتين، وببراءة وقتال حقيقي، فإن العالم بات مقسوماً بين أميركا من جهة والعالم كله من جهة أخرى في تقديم هذه الحرب وكأنها حرب عصر العولمة الأول.
هكذا تبطل مفاهيم مثل العالم الثالث أو العالم النامي، إذ أسقطت صور الفضائيات العربية مقولات ˜الحرب النظيفةŒ وكادت تسقط في بدايات القتال صورة الحرب ˜الأميركية السريعة الذوبانŒ أو القصيرة الخاطفة التي ترسخت في الذهن العام، مع أن لا تصريحات أميركية قالت بقصرها. وأكثر من ذلك فإن الصور الصادقة والفجة التي كانت تبثها وسائل الاعلام العربية، في عصر الانفتاح الفضائي، دفعت الادارة الأميركية الى ضخ شحنات مكثفة من الإيديولوجيات والصور العدائية المقاتلة لنظام صدام حسين في الحقل الاميركي تحوّل الى نقطة إشباع راحت تتراجع وتخبو أمام ما يظهر على الشاشات العربية البعيدة الغريبة. وقد ساعد في ذلك صور الجنود الاميركيين المنهكين أو المصابين بنقص في الإمدادات ما يؤخر تقدمهم نحو بغداد، وهذا ما أيقظ في الذاكرة الاميركية صور الأيام والأشهر الأخيرة من حرب فيتنام.
بين صور العرب كلها وكما هي، وصور أميركا المقنّنة والمدروسة والمنقولة أحياناً عن ˜الجزيرةŒ (سي.ان.ان) في شريط خبر في أسفل شاشتها أو صور شاشات أوروبا غير المؤذية كثيراً لمشاعر المشاهد الأوروبي، وخصوصاً الصور الفرنسية المحايدة وغير المعبّرة تماماً
 (TF1،   France2،  France3،Euronews) أو الصور الايطالية المنخولة نقلاً عن ˜الجزيرةŒ (محطة Ray) والبريطانية التي اعتاد أهلوها على تلقف الصور باردة متأخرة كما الطبيعة الانكليزية (B.B.S) وهي لم تكن تقدم إلا صوراً متحيزة لأميركا تماماً كما فعلت T.V.A الاسبانية، خلافاً للصور الروسية التي كانت أكثر التصاقاً مع صورة الحدث وسخونته (R.T.R).. هذه الصور في معاركها المكثفة بدا حضورها كبيراً في شوارع المدن العالمية وساحاتها حتى في الولايات المتحدة الأميركية، حيث لم تشهد حرب منذ القرن الماضي تظاهرات صاخبة واعتراضات مثل ما أورثته هذه الحرب الأخيرة الأميركية على العراق.
وفي ضوء هذا كانت وسائل الاعلام الأميركية والدمى الممثلة للرئيس الأميركي تحرق وتداس ليس في شوارع المدن العربية والإسلامية بل في المدن الأخرى من القارات الأربع التي كانت ترفع صوراً وشعائر كان لها ثقلها في ميدان المعركة. وفي هذا الإطار، وبصرف النظر عن نتائج الحرب، فإن كلاماً كمثل الذي جاء على لسان محمد حسنين هيكل بحاجة الى اعادة تدقيق مذكراته وهو يغطي وقائع الثورة الاسلامية في ايران أنه صادف ˜في طهران طواقم عدد من شركات التلفزة الأميركية تبحث عن مظاهرات تحرق العلم الأميركي. وكانت تلك هي الصورة المطلوبة لإظهار ان الثورة الإسلامية عدو للغرب وللولايات المتحدة... وقد صادفت (يقول) موقفاً يكاد لا يصدق، فقد وصل طاقم تلفزيوني الى طهران بمصوّريه وبعدساتهم، واللافت أنهم جلبوا معهم مجموعة من الأعلام الأميركية يسلمونها بأيديهم الى المتظاهرين كي يحرقونها أمام الكاميرات، وكان المتظاهرون متلهفين على تخاطف الأعلام الاميركية واشعال النار فيها من دون ان يخطر لهم أنهم وقعوا في شراك فخ الصور. والتدقيق يطول إعادة تقسيم العالم مجدداً في عصر الإمبراطورية الأميركية التي أخذت بفنون الصور والاعلام وحيدة في وجه العالم بأجمعه.
و­ لقد كانت محطة ˜الجزيرةŒ هي الباب الواسع الذي دخل منه الاعلام العربي عصر الفضاء، بالرغم من أنه لم يدخل تماماً عصر التراب (الحضارة الزراعية) ولا عصر الماء (الملاحة والتجارة ولو أن الفينيقيين كانوا أول من سبق خطوات كريستوف كولومبوس حول رأس الرجاء الصالح بحثاً عن القارة الأميركية)، فقد اكتسب هذا الاعلام حضوره وصدقيته منذ الحرب الأميركية على افغانستان واستطاعت الجزيرة من العاصمة (كابول) أن تكون مخزناً لصورٍ مباشرة عجزت عنها أعتى الفضائيات.
لقد تقاسم الفضاء، الى جانب ˜الجزيرةŒ في أثناء هذه الحرب الأميركية الأخيرة على العراق، أقنية ˜أبو ظبيŒ و˜العربيةŒ والـ ˜L.B.C و˜المستقبلŒ و˜المنارŒ اللبنانية. وقد ألفت الى جانب الفضائية العراقية الشاشة الكبرى ˜القاسيةŒ القادرة على نقل الصور الكلية البانورامية. ولو أن تماهيات كانت واضحة على الشاشة الأميركية C.N.N في نموذجها سواء أكان من حيث الشكل أو من حيث الأنباء والعناوين في أسفل الشاشة أو في دعوة ˜خبراءŒ عسكريين متقاعدين أسقطوا في معظمهم صدقية الشاشة، الأمر الذي دفع بهم الي حصر ما يقدمونه من تحليلات ومواقف بهم شخصياً لا بقيادتهم ولا بأركان جيوشهم وهو ما تمّ اختصاره ليحتل أسفل الشاشة.
وقد لا نظلم هذه الشاشات العربية لو قدّمناها من حيث أخبارها وطرائقها C.N.N ولكن بلغة عربية وبمضمون عربي مفتون بالاستعراضية والتحريض العاطفي واللذة في الإثارة.
وقد ظهرت ˜مدينة الخيمŒ على سطح وزارة الإعلام العراقية حيث راح الصحافيون ينتظرون الحرب من هناك في خيم نصبوها مقابل قاعدة السيلية في قطر.
وبدا منذ اليوم الأول للحرب أن ˜الجزيرةŒ قد رفعت لواء الحقيقة مهما كانت قاسية وتبعتها في ذلك قناة ˜أبو ظبيŒ بينما رفعت ˜العربيةŒ مبدأ التوازن الذي وصل الى حدود الإرتباك خصوصاً وأنها باشرت بثها مع اندلاع المعارك، بينما بدت الـ L.B.C على مسافة متوسطة بين القناتين، لكنها كانت تهتم بالعراق وتحاول الإستفادة الى أقصى حد من مراسلي ˜الحياةŒ وأحوالهم.
كانت شاشة ˜الجزيرةŒ نجمة الشاشات العربية وقد ˜قصفهاŒ وزير الدفاع الأميركي رونالد رامسفيلد في مؤتمراته الصحافية ومثله وزير الخارجية كولن باول الذي اعتبرها ˜محطة تفتقر الى الموضوعية في أخبارها حتى في صورها الإستعراضية، فهي تضخّم الانجازات العسكرية للنظام العراقي وتلقى قبولاً ملحوظاً عند العرب وبعض أقنية الغرب. وفي المقابل نجد وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف يستشهد بها في مؤتمراته بالقول: ˜كما ذكرت الجزيرة أو كما رأيتم على الجزيرةŒ.
تبرز عملية ˜إنقلاب الصورةŒ في كيفية تعاطي المسؤولين البريطانيين والأميركيين مع قدرات العرب المستجدة في ميدان استعمال صور الحرب وخصوصاً الجزيرةŒ.
فقد افتتح قائد القوات البريطانية في الخليج بريان بوريج مؤتمراً صحافياً مهاجماً فيه الاعلام العربي ومحطة ˜الجزيرةŒ التي ˜تعرض صوراً مروعة عن قرب لجنديين بريطانيين قتلا في المعارك وقد ارتفع الهجوم الى مستوى رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير الذي عبّر عن ˜غضبه على ˜الجزيرةŒ لعرضها صوراً لجنود بريطانيين قتلى وأسرىŒ.
ولم يتردّد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر من انتقاد تغطية وسائل الاعلام العربية للحرب على العراق بقوله: ˜كثيرون من العاملين في الصحافة العربية يشوّهون الأشياء، ويعرضونها، ويا للأسف بطريقة مثيرة... جلّ ما نطلبه صراحة هو أن يكونوا صادقين، وأن يأخذوا في الاعتبار وجهات النظر المختلفة وينظروا الى الوقائع... لقد لفتت بعض وسائل الاعلام المكتوبة اهتمامنا بصورهافي الأيام الأخيرة، أو ˜ادعائها بقصف مسجدŒ، أو قصف حي الشعب، ˜مدعياً أن صورة المسجد قديمة، وبأن ˜سبب الحادث الثاني لم يعرف رسمياًŒ.
قصف الصورة
ولشدة تأثير ˜الجزيرةŒ تعرّض موقعها على الإنترنت الى قرصنة إلكترونية أو ما يعرف بـ˜الهاكرزŒ، ويعتقد أنه جاء من جهات كبرى حرمها من إظهار صورها لأيام أربع متتالية.
وقد استدعى المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا مدير مكتب الجزيرة في باريس ميشال الكيك للإستفسار منه حول خطورة بث صور القتلى والأسرى من الجنود الأميركيين على الشاشة.
كان لا بد إذاً من قصف الصورة المقلقة والمزعجة ومحاولة قتلها.
وبالرغم من صعوبة هذا الأمر فقد أغارت الطائرات الأميركية على مكاتب ˜الجزيرةŒ وقناة ˜أبو ظبيŒ ووكالة ˜رويترزŒ للأنباء في فندق فلسطين في حي الكرخ في بغداد، وقتل مراسل الجزيرة طارق أيوب وظهر جلياً مشهد النقل الأكثر حيوية حيث سال الدم على الكاميرا، وأصيب المصور الصحفي زهير العراقي. وسواء أكان القصف بسبب من قوة الصورة أو لأسباب أخرى جعلت نهاية الحرب زاخرة ˜بالصدمة والهولŒ، في اليوم الثاني، وحافلة بالألغاز، فإن المستقبل هو الكفيل بفك الطلاسم السياسية والعسكرية، دون أن تفقد الصورة حضورها العربي الأول الفصيح. فالدخول الى عصر الصورة مسوولية كبرى.
الموضوع كاملاً هنا
http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?ln=ar&id=2741

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...