لاشك في ان ماوقع في الثالث عشرمن شباط في عام الجريمة الامريكية الكبرى على الشعب المجاهد في العراق يعد جريمة القرن بلا جدال فقد اقدمت امريكا على حرق اكثر من اربعمئة بري بدءا بالاطفال ومرورا بالشيوخ والنساء , فقد ضم ملجا العامرية جمعا كبيرا من اسر عراقية كانت تتدرع به , وتتقي صولات الجرائم الجوية التي كان يتلقاها العراق بصبر, ولاريب في ان لكل اسرة قصة , ولاريب ان لكل رجل او امراة هما , وكان جزء من هذه القصة او هذا الهم قد تركه صاحبه قبل دخوله الملجا بين يدي احد افراد هذه الاسرة وربما انطوت قصص اخرى لان الاسر الاخر لم تترك شيئا خارج الملجا .فقد كانت برمتهافي الملجا واحترقت كلها فيه , ومما تركته بعض الاسر خارج اسوار الملجا الشهيد هذه القصة التي حفظها كاتبها هنا بوعي واستطاع ان يحكم بناءها وهي بهذه اللحظة التي اقضت مضاجع الشرفاء في هذه العالم .
والحق ان خير القص ماكتبته التجارب العميقة وما دار مع مشاعر الناس , وليس ثمة اجمل من ان يمر القاص بتجربه مر بها ولا سيما اذا كان يحسن التعبير عن احساساته بها .
والقصة هنا تعبير عن حالة حب رومانسية كشفت عنها المعاناة العميقة الخاصة بنمط واسلوب حب عراقي أبان عنها هذا التداخل الخاص بين احساس البيئة العراقية والتعبير عنها . وقد تكون هذه القصة هي قصة كل حب يعرفه شابان اول مرة , حب يولد غضًا" ندياً في مثل هذه البيئة الحبيبة التي احسن الاسلام تربيتها ولكنه لا يجد حياة" طويلة , لان بعض التقاليد وسوء فهم المشاعر من بعض الاباء والامهات يجهضونه بقسوة ظنا منهم انه السبيل الاسلم , ولكن هذا الحب الذي يولد مع بداية كل شباب يظل ينبض بالحياة والمرارة معا , وقد بقي في هذه القصة يعيش في اطواء المحبين حتى تهيأت له جريمة كبرى , ومن هنا تبدو سمه هذه القصة , فلئن حرمه الحب من حبيبته فأنه اعطاه دفقا قويا دفعه في هذه الحياة فأحسن الابحار فيها , وقد استطاع الكاتب , الذي لم يكتب قصة غيرها , بأسلوب واضح متحدر ان ينوع مشاهدها ويحسن الانتقال بينها بل نوع من ادواته شيئا ما للحد الذي ادخل شيئا من عناصر المسرح ومستلزماته اذ قسم بعض مشاهدها تقسيما دراميا بحسب الرؤية التي ارتآها , ولم تبد عناصرها من مكان وزمان وشخوص الا وسائل تخدم حركة الحب , اذ كان بطل القصة وابرز شخوصها هو الحب الذي ولد قويا وعاش شابا حتى النهاية , ولم يتغير او يضعف , وكأن العناية الالهيه ارادت له ان يكون حيا الى الابد , ان يعيش شهيدا وان يموت شهيدا , اما الحوار الذي ارتكزت عليه اكثر مفاصل القصة , فقد كان ينطق عن حياة الشخصية الرئيسة ( الحب ) فكان واقعيا ملتهبا مشبوها مصعدا للاحداث , وكان اروع ما فيه هذه الرساله التي كتبها الامل اليائس وقطعتها الجريمه وكأن خيوط القصة كلها مشدودة بيد واحدة لنهاية واحدة .
ولا اراني الا وقد اطلت وشغلت القارئ عن قرائتها , فلست في موضع الدارس وان بقيت سمه اخرى فأنها قصة لا تنفك عن قارئها الا وقد اخذت بذهنه واهتمامه كأنها شهقة واحدة تعبر عن ذهن كاتبها واحساساته وطبيعة فهمه ورؤيته الخاصة عن ادوات هذا الفن بكل يسر ووضوح لانه كتبها بروحه ومشاعره الصادقة وليس بتطبيق قوانين هذا الفن حرفيا بل برؤيته لتجربته الخاصة ومشاعره .
د. علي كاظم اسد
استاذ النقد في كلية الاداب جامعة الكوفة 2002
الاهداء
الى كل حبيبة ... ابرمت مع حبيبها عهد الحب .. نقضت عهدها وفارقته في ملجا العامرية ... الى كل حبيب ... كان على موعد لقاء مع حبيبته ... قد وعدها بالزواج ... واخلف وعده معها في ملجا العامرية ... الى كل زوج تخلف عن زوجته بسبب الواجب وتركها وديعة مطمئنا عليها في ملجا العامرية ... فلم يستطع الملجا ان يحفظ الوديعة .. الى كل زوجة ذهبت لتزور اباها المريض وفارقت زوجها مطئنة" عليه في ملجا العامرية ... وكان فراقها له ابديا ... الى العذاري اللوتي قضين تلك اللية في ملجا العامرية .. وهن يحلمن – مثل كل ليلة – بلقاء حبيب ينتظرنه اتيا"من المجهول ليتزوجهن .. فلقين مصيرهن المجهول ... الى احباب الله ... الاطفال في نومهم في الملجا يتبرقعون البراءة البريئة ... وكل واحد منهم يحلم بهدية يحبهامن ابيه او امه ... او يتمنى ان يراها في حلمه فارتفعت ارواحهم الشفافة الى بارئها مفارقة اجسامهم الطرية وهي تتبخر من حرارة صواريخ جدو بوش .... التي انهت
واوقفت احلام الحب.
اهدي دموعي هذه ... دموع الحب
(( انا لله وانا اليه راجعون ))
هادي / 2002
ا لقسم الاول
((قصة حب ابدي ))
طفولة الاربعينات
في السنة الاولى في المدرسة المتوسطة في مدينة الحلة وعمره كان لا يتجاوز الثالثة عشرة من السنين – نحيل البنية يميل الى الصفرة بسبب اعتلال الصحة كشان اطفال واولاد وناس تلك السنين في الاربعينات 1948 . فكان مكتوبا عليهم ان يدفعوا ضريبة الاصابة بكل الامراض فهو امر بديهي ان يصابوا بمرض الحصبة والسعال الديكي ومرض التايفوئيد ..وهو عانى طويلا من مرض الملاريا . وتلك كانت امراض مستوطنة في تلك المناطق اضافة الى الديدان المعوية بانواعها واكثرها شيوعا (السلابيح )الاسكارس ...التي كانت تجد في امعاء الاطفال والكبار موطنا مستديما لها .ومنهم هادي ..كان يجب ان يمروا بهذه الامراض ومنهم من يموت .. وهم الكثرة .. والباقي منهم يجتازها ويبقى معلولا ضعيفا مخضرما ... وكان الشائع المتداول بين الناس انذاك ان "العافية من الله وليس من الاكل ".