الوطن-سلطنة عُمان - 27 مارس , 2012
الكاتب: وليد الزبيدي
قبل أن تبدأ الحرب، وتعصف بكل شئ في العراق، قدم مسؤولون وعسكريون أميركيون وصفا دقيقا لمجرياتها، ووصف يوم الحرب الأول نائب وزير الدفاع الاميركي بول وولفويتز أحد أهم مهندسي الحرب على العراق ومن البارزين في المحافظين الجدد، بقوله إنه سيكون ( يوم جهنم) وقبل يوم واحد من اندلاع الحرب، قال مسؤول أميركي لصحيفة (الواشنطن بوست)، إن حربنا على العراق ستكون سريعة ولن تستغرق سوى عدة ايام، وينطوي هذا الكلام على مضامين عديدة، من أهمها حجم الآلة القتالية والتدميرية الهائلة ، التي تم وضعها ضمن خطة الحرب وتنفيذ صفحاتها، وهو ما أعلنه بوضوح نائب قائد الأركان المشتركة بيتر بايس، الذي أعطى وصفا تفصيليا ليوم الحرب الاول، عندما قال (إن الهجوم، سيبدأ بسقوط آلاف الصواريخ على بغداد، تطلق من المدمرات البحريه، الاميركية، ومن القاعدة الاميركية في (دييجوجارسيا) تتبعها 300 طائرة بمعدل ثلاث طلعات للطائرة الواحدة، وكل طلعة من 7 الى 10 قنابل ثقيلة ، مايعني آلاف القنابل، التي تنشر الدمار والقتل والرعب في مناطق العراق المختلفة.
ركزت وسائل الاعلام الموجهة للعراقيين على مفاصل أساسية من الحرب النفسية، من بينها ما قاله المسؤولون الاميركيون عن اليوم الاول وما الذي سيحصل فيه ومحدودية ايام الحرب وحجم الاسلحة وانواعها التي سيتم استخدامها في القصف، والذي تناقلته وسائل الاعلام وكان الكثير من العراقيين يجلسون لصق أجهزة المذياع قبيل إندلاع الحرب، وإزداد ذلك منذ الساعات الاولى لنشوبها أين يذهب العراقيون، هل تختار بعض العوائل تلك الملاجيء المنتشرة في بغداد، التي تم تشييدها خلال الحرب الايرانية ـ العراقية (1980-1988)، وأوكلت عملية بنائها وتحصينها الى شركات أجنبية عملاقة، إلا أن هذا الخيار كان بمثابة الخيار القاتل، الذي يرفضه العراقيون تماما، مستندين في ذلك الى تجربة القتل الجماعي الذي مارسته الادارة الاميركية ضد المدنيين، الذين لجأوا الى داخل أحد تلك الملاجئ، معتقدين أنها محصنة فعلا. وأنها من الأماكن المعروفة للطيران الاميركي، حيث تذهب مئات العوائل مساء كل يوم للاحتماء بها، إنها قصة ملجأ (العامرية) المأساوية الشهيرة، تلك القصة الشهيرة التي لا تفارق الذاكرة العراقية، حيث قتلت القنابل الاميركية بداخله أكثر من 400 شيخ وامرأة وطفل، بعد أن وجهت الطائرات الاميركية قنبلتين (من القنابل الذكية) كما أعلن ذلك البنتاجون وقد تم تصميمها خصيصا لهذه العملية، وصبيحة الثالث عشر من فبراير 1991، وبينما كانت الحرب متواصلة بين القوات الاميركية والعراقية على الحدود الجنوبية للعراق، استهدفت الطائرات الاميركية ملجأ(العامرية) الواقع في أحد أحياء بغداد، وتم إسقاط القنبلة الاولى، التي صممت لإغلاق جميع أبواب ومنافذ الملجأ، وعدم السماح بخروج أي شخص، أما مهمة القنبلة (الذكية) الثانية، فكانت لإختراق سقف الملجأ، وإحداث انفجار هائل يتسبب بحريق كبير داخل الملجأ، وبعد أن دوت تلك الانفجارات فجرا، هرع الكثير من العراقيين من الاحياء القريبو الى الملجأ، وحاولوا إنقاذ أي شخص، وكان الجميع يستمعون الى عويل وبكاء الأطفال وصراخ الامهات حتى بعد ساعتين من إرتكاب الاميركان لجريمتهم البشعة تلك، ولم يتكمن الدفاع المدني الذي وصل بعد قليل الى مكان الجريمة، من إنقاذ شخص واحد من العراقيين، الذين كانوا داخل الملجأ ،فقد قتلتهم القنابل الاميركية والحرائق جميعا.
قصة ملجأ العامرية المأساوية محفورة في ذاكرة العراقيين جميعا، ويردد العراقيون، أن اميركا التي أسقطت قنابلها الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين عام 1945، في نهاية الحرب العالمية الثانية، لن تتردد في قتل آلاف العراقيين في جميع المدن لتحقيق انتصارها في الحرب، وحسم النتيجة لصالحها، وطالما أن الاميركيين قد أجرموا بحق آلاف العراقيين عام 1991 من بينهم المئات في ملجأ العامرية، فإنهم لن يترددوا في قتل الملايين من العراقيين بقصف أماكن تجمعاتهم.
لايفكر العراقيون بالذهاب الى القرى والأرياف، فقد استهدفت الطائرات والصواريخ الاميركية جميع الأماكن، حتى الصحراء لا يفكر أحد باللجوء اليها، بعد أن قصفت الطائرات إبان حرب عام 1991 قطعان الأغنام وقتلتها مع الرعاة.
لا مكان يلجأ اليه العراقيون إلا بيوتهم، ولا سقف يحميهم من حمم القتل والتدمير الاميركية،
إلتحف الجميع هذه القناعة وشربوا من صورها المحتملة الكثير، واستكانوا داخل دوامة من القلق والترقب.
إنها حرب أميركا على العراق، ولا أحد يستطيع رسم نوافذ ومسارات الأحداث لساعة قادمة، حياة العراقيين على كف عفريت وموت وقتل وتشريد، فالحرب أكبر من إمكاناتهم بكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق