شذى احمد
2011 / 6 / 29
الصورة الأولى : العامرية بغداد
في الحرب التي أطلقت عليها قوات التحالف عاصفة الصحراء ، وسماها الرئيس العراقي أم المعارك دكوا مدن العراق وبالأخص بغداد بالقنابل. في ملجأ في منطقة العامرية سمي باسمها كانت تهرع عشرات من العوائل هربا من الموت الذي كانت توزعه الطائرات الغازية بالتساوي على رؤوسهم. يقال بان الدول التي بنته باعت وشت بأسراره، وبتصميمه فاحرقوا من فيه بصواريخ .سدت منافذ الهواء والحياة عن أبنائه وأحالتهم إلى جثث متفحمة. ظل ملجأ العامرية لسنوات مزارا للوفود القادمة للعراق من كل العالم ولأبنائه أيضا يرون بشاعة الحرب وقسوة الإنسان ورغبته بالانتصار التي تدفعه لارتكاب أبشع المجازر.
وقف احد رجال الشرطة الذي اشتركوا باخلاءه من الجثث المتفحمة والقتلى يوم فتحت عليهم أبواب الجحيم يشرح بعض من مشاهداته وفجأة اغرورقت عيناه بالدموع وهو يقف عند احد الأعمدة قائلاً: هنا كانت تجلس امرأة . هذا أصعب ما رأيته وأكثره إيلاما. مسح دموعه وتابع. وجدناها تحتضن صغيرها كانت ترضعه عندما باغتهما الموت بجحيمه.
لم ينتظر الموت الصغير الذي يرضع ولم يبالي بأنهما مسالمان كان همه الوحيد إحراق المكان بمن فيه، وستجد للمبررين عيون وقحة تعلل بألف سبب ما جرى و لا تقل خسة ووحشية عن الصواريخ التي أحرقت ذلك اللحم البشري وفحمته.
العامرية واحدة من مخازي الحروب وفظائعها لا تقل وحشية عما جرى في هيروشيما وناكازاكي.... وويل للناس الذين يرمونها خلف الذاكرة ولا يتدارسون أسباب وقوعها
الصورة الثانية : دار الأيتام - ملجأ الحنان . بغداد بعد السقوط
بغداد التي أنهكتها سنوات الحصار والجوع ورحيل الكثير بحثا عن فرص حياة أفضل تسقط بيد الغزاة وتجوب مدرعاتهم والياتهم شوارعها. وتصبح بموجب قرار هيئة الأمم المتحدة دولة محتلة وتحصل على لقب أول دولة محتلة في القرن الواحد والعشرين فيسمى غازيها قوات احتلال ويوثق ذلك رسمياً. في زمن الحروب والاحتلال يبحث الطاعون بكل أنواعه عن ضحاياه.شهيته مفتوحة لالتهامهم. لا يحتاج إلا إلى أماكن معتمة كي يعد ما ينوي اجتراره. والأطفال أحلى الفواكه وألذها. في بيوت افترض بها حماية الصغار ورعايتهم وجد الطاعون ما يلتهمه على مدار الساعة أسدل الستار وكشر عن أنيابه. ترك غذائهم وشرابهم يعفن في المستودعات وراح ينهش من لحومهم الطرية وينتهكها ضاحكا ملئ شدقيه بان لا رقيب ولا حسيب قادر على إيقافه. تقف إحدى دوريات جيش الاحتلال تسأل لما هذه الستائر مسدلة ليس من عادة العراقيين كل هذا التعتيم. دعونا نرى فيهولهم ما يرون صغار عراة يترنحون بين الموت والحياة مربوطين على الأسرة عيونهم لا تخبر الا بوضاعة ما تعرضوا له. أي الشياطين من اغتصبوكم يا ولدي . كيف هي أشكالهم من أين أتوا بما كانوا يشفوا غليلهم وهم يستمرءون انتهاك تلك الأجساد البضة الطرية كل ساعة. يسقي الجنود الأطفال الماء يلتفتون فإذا بالطاعون يتسرب من خيوط دخان ليبحث له عن مكان أخر يغرس فيه أنيابه ويمزق وجه الحياة.
ملجأ الأطفال. دار الأيتام. وصمة عار على جبين الحروب ودعاتها لا يجدر لها الانزواء بعيدا عن ذاكرة مفكري ومبدعي وشرفاء العالم كي لا يعيد الطاعون لعب فصولها كلما يحلو له.
2011 / 6 / 29
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
الأمم التي تفقد ذاكرتها . تتخلى عن ذاكرتها. تستهين بذاكرتها. تسخر منها. تهملها. تركنها في كهوف اللامبالاة المعتمة تخسر معها حقها . والتي تخسر حقها لا حق لها بالمطالبة بشيء حتى لو كان ما تطلبه حق!. في الكوارث والحروب والغزوات يتصدر الخاسرون والمتضررون لسوء الحظ دوما من لا يد لهم في إضرامها وهم النساء والأطفال. يتحملون القدر الأكبر من الدمار الذي تسببه لا لسبب فقط كونهم اضعف من الدفاع عن حقهم ورد ما يلحق بهم من ويلاتها ومصائبها.
الأمم التي تفقد ذاكرتها . تتخلى عن ذاكرتها. تستهين بذاكرتها. تسخر منها. تهملها. تركنها في كهوف اللامبالاة المعتمة تخسر معها حقها . والتي تخسر حقها لا حق لها بالمطالبة بشيء حتى لو كان ما تطلبه حق!. في الكوارث والحروب والغزوات يتصدر الخاسرون والمتضررون لسوء الحظ دوما من لا يد لهم في إضرامها وهم النساء والأطفال. يتحملون القدر الأكبر من الدمار الذي تسببه لا لسبب فقط كونهم اضعف من الدفاع عن حقهم ورد ما يلحق بهم من ويلاتها ومصائبها.
mother holding her baby |
الصورة الأولى : العامرية بغداد
في الحرب التي أطلقت عليها قوات التحالف عاصفة الصحراء ، وسماها الرئيس العراقي أم المعارك دكوا مدن العراق وبالأخص بغداد بالقنابل. في ملجأ في منطقة العامرية سمي باسمها كانت تهرع عشرات من العوائل هربا من الموت الذي كانت توزعه الطائرات الغازية بالتساوي على رؤوسهم. يقال بان الدول التي بنته باعت وشت بأسراره، وبتصميمه فاحرقوا من فيه بصواريخ .سدت منافذ الهواء والحياة عن أبنائه وأحالتهم إلى جثث متفحمة. ظل ملجأ العامرية لسنوات مزارا للوفود القادمة للعراق من كل العالم ولأبنائه أيضا يرون بشاعة الحرب وقسوة الإنسان ورغبته بالانتصار التي تدفعه لارتكاب أبشع المجازر.
وقف احد رجال الشرطة الذي اشتركوا باخلاءه من الجثث المتفحمة والقتلى يوم فتحت عليهم أبواب الجحيم يشرح بعض من مشاهداته وفجأة اغرورقت عيناه بالدموع وهو يقف عند احد الأعمدة قائلاً: هنا كانت تجلس امرأة . هذا أصعب ما رأيته وأكثره إيلاما. مسح دموعه وتابع. وجدناها تحتضن صغيرها كانت ترضعه عندما باغتهما الموت بجحيمه.
لم ينتظر الموت الصغير الذي يرضع ولم يبالي بأنهما مسالمان كان همه الوحيد إحراق المكان بمن فيه، وستجد للمبررين عيون وقحة تعلل بألف سبب ما جرى و لا تقل خسة ووحشية عن الصواريخ التي أحرقت ذلك اللحم البشري وفحمته.
العامرية واحدة من مخازي الحروب وفظائعها لا تقل وحشية عما جرى في هيروشيما وناكازاكي.... وويل للناس الذين يرمونها خلف الذاكرة ولا يتدارسون أسباب وقوعها
وتجنب البشرية مخاطر حدوث مثيلاتها مستقبلاً.
الصورة الثانية : دار الأيتام - ملجأ الحنان . بغداد بعد السقوط
بغداد التي أنهكتها سنوات الحصار والجوع ورحيل الكثير بحثا عن فرص حياة أفضل تسقط بيد الغزاة وتجوب مدرعاتهم والياتهم شوارعها. وتصبح بموجب قرار هيئة الأمم المتحدة دولة محتلة وتحصل على لقب أول دولة محتلة في القرن الواحد والعشرين فيسمى غازيها قوات احتلال ويوثق ذلك رسمياً. في زمن الحروب والاحتلال يبحث الطاعون بكل أنواعه عن ضحاياه.شهيته مفتوحة لالتهامهم. لا يحتاج إلا إلى أماكن معتمة كي يعد ما ينوي اجتراره. والأطفال أحلى الفواكه وألذها. في بيوت افترض بها حماية الصغار ورعايتهم وجد الطاعون ما يلتهمه على مدار الساعة أسدل الستار وكشر عن أنيابه. ترك غذائهم وشرابهم يعفن في المستودعات وراح ينهش من لحومهم الطرية وينتهكها ضاحكا ملئ شدقيه بان لا رقيب ولا حسيب قادر على إيقافه. تقف إحدى دوريات جيش الاحتلال تسأل لما هذه الستائر مسدلة ليس من عادة العراقيين كل هذا التعتيم. دعونا نرى فيهولهم ما يرون صغار عراة يترنحون بين الموت والحياة مربوطين على الأسرة عيونهم لا تخبر الا بوضاعة ما تعرضوا له. أي الشياطين من اغتصبوكم يا ولدي . كيف هي أشكالهم من أين أتوا بما كانوا يشفوا غليلهم وهم يستمرءون انتهاك تلك الأجساد البضة الطرية كل ساعة. يسقي الجنود الأطفال الماء يلتفتون فإذا بالطاعون يتسرب من خيوط دخان ليبحث له عن مكان أخر يغرس فيه أنيابه ويمزق وجه الحياة.
ملجأ الأطفال. دار الأيتام. وصمة عار على جبين الحروب ودعاتها لا يجدر لها الانزواء بعيدا عن ذاكرة مفكري ومبدعي وشرفاء العالم كي لا يعيد الطاعون لعب فصولها كلما يحلو له.