سبوت لايت علي سينما الظل
فى فيلم تسجيلي حيوي ومهم مثل "الملائكة تموت" نجد ان التفاعل العاطفي مع الموضوع المطروح وهو قضية العدوان الأمريكي علي المواطنين المدنيين العراقيين فى ملجأ العامرية هو وحده كفيل بان يثير حمية المشاهد ومشاعره ويجعله يغض الطرف عن مواطن الضعف فى الفيلم من الناحية الفنية او حتى علي المستوي السياسي والتوجه العام للأحداث وهنا يحدث نوع من الإرتباك لأن المشاهد العادي يوضع فى موقف نفسي يصعب عليه فيه ان يتحدي مشاعره ليعلن رفضه النسبي لما تنطوي عليه الفكرة وتعبر عنه الصورة فيلجأ إلي التخلص من هذه الحالة بان يبادر فوراً بإعلان رأية الايجابي فى الفيلم معتمداً علي ما يقدمه المجمل من الأحداث وما يتوافر لدي السيناريست والمخرج من حسن النوايا فى إنتاج فيلم يفضح العدوان السافر والبلطجة الأمريكية علي الشعب العراقي الذي كانت جريرته فى اعتزازه بذاته وكرامته ورفضه الخنوع والإذلال .
هنا يبدأ التأثير الوجداني فى النشاط فيطمس الرؤية الفعلية والنقدية للجوانب الإبداعية المتحررة من أسر العواطف وان كانت الشحنة العاطفية تلعب دورا مهما أيضا في التكوين العام لوجهة النظر النقدية علي اعتبار ان القدرة السينمائية علي أثارة المشاعر احد العناصر المكملة للرؤية الفنية وتسهم بشكل مباشر في عمليه الرفض أو القبول الجماهيري ولكن تظل هذه الجزئية هي الجزئية النسبية لأنها متميزة وتختلف من شخص لأخر .
فيلم "الملائكة تموت" وهو سيناريو مشترك بين الكاتبة الصحفية وفاء عوض ومخرجة الفيلم العراقية "خيرية المنصور" يتعرض لواقعة خاصة ومحدودة وهي قصف ملجأ العامرية بالعراق ومن خلال تلك الواقعة يحاول ان يلقي الضوء علي كل ما يحيط بإشكالية قضية هيمنة أمريكا والكيان الصهيوني علي المنطقة العربية والتداعيات القتالية التي تخلقها هذه الهيمنة وما ينتج عنها من دمار وقتل ومذابح ومحارق جماعية للشعب العراقي وعلي الرغم من ان الفيلم اتخذ من قصف "ملجأ العامرية" محورا أساسيا إلا أننا نلحظ بعض الخروج عن هذه الحدود ونري ان الدائرة قد اتسعت لتشمل العدوان علي جنوب لبنان ونجد المخرجة تستعيض عن صورة القتلى العراقيين من الأطفال والنساء والشيوخ بقتل آخرين من نفس الأعمار من المواطنين اللبنانيين وتستمر فى العرض الصامت إلي ان تدخل فى منطقة أخري مخترقة الحاجز الزمني بالعبور للخلف سنوات طويلة حتى تصل بنا الي عام 67 الحزين لتذكرنا بالنكسة المشئومة وما جري للأطفال المصريين فى موقعة "بحر البقر" متوقفة عند جزء هام من خطاب الرئيس جمال عبد الناصر يفضح فيه نذالة العدوان الإسرائيلي وخسته التي ظهرت فى قتل الأطفال الأبرياء وإراقة دمائهم الطاهرة علي صفحات كراساتهم وكتبهم المدرسية ويبدو لأول وهلة أن هناك ربطاً متعمداً للجرائم الإسرائيلية الأمريكية فى المنطقة العربية وخاصة تلك التي تستهدف الطلائع الجديدة من الأطفال منذ سنوات طويلة مضت ولكن سرعان ما يدقق المشاهد فى الفوارق الزمنية بين الأحداث فيكتشف ان ثمة ترهلا وتشتيتا أصاب البناء الدرامي للفيلم ويشعر ان حيله الربط بين الماضي والحاضر لم تنجح فى ملء الفراغ بقدر ما ضيعت لحظة التكثيف الشعوري بمحنة الطفل العراقي والتي من المفترض ان الفيلم قائم عليها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق