بن بلة الرمز النادر
عشيري عبد السلام
الجمهورية : 14 - 04 - 2012
لم يستشهد بن بلة في جهاده ضد المستعمر بين الجبال والوديان ولم يمت حينما إختطفت القواة الإستعمارية الفرنسية الطائرة التي تقله رفقة زعماء جبهة التحرير حولت مسار توجهها ولم يمت أيضا بقصره الرئاسي عند الإنقلاب العسكري عليه سنة 1965 أو ما إصطلح على تسميته آنذاك بالتصحيح الثوري ولا حتى في إقامته الجبرية لسنوات عديدة ولم تنقل روحه إلى بارءها وهو في منفاه الإختياري بأوروبا بعد ذلك بل مات بن بلة حين وفاه أجله عايش وعاصر كل الأجيال الجزائرية فجر الثورة وسير الثروة (ولو لفترة قصير) بن بلة لم يكن رئيسا وكفى بل كان زعيما حتى قبل توليه منصب إدارة شؤون البلاد.
حينما زرت العراق بعد حرب الخليج الثانية مطلع التسعينيات تفاجأت بحجم الحب والتقدير الذي يكنه العراقيون قيادة وشعبا لأحمد بن بلة ليس كرئيس سابق للجزائر ولا كمناضل ومجاهد ولكن لأنه رمز للعروبة من المحيط إلى الخليج وقد عرفت من بعض مثقفيهم ونخبهم الكثير عن شخصيته التي كنت أجهلها وفي بغداد حينما وقفت على هول الدمار الذي خلفه العدوان الأمريكي الصليبي على العراق وزرت ملجأ العامرية الشهير بعد مقتل الآلاف من العراقيين فيه أثناء الحرب تفاجأت بكوفية (شال) الرئيس أحمد بن بلة يحيى معلقة على صورة إحدى الشهيدات وقرأت كلماته وتوقيعه على دفتر وضعته أمها للزوار وعلمت أنه مكث هناك لأشهر يساند صدام والعراق كبر بن بلة في عيني ولعنت كتب التاريخ عندنا ومناهج وزارة التربية أنذاك التي لم تعط لمن صنعوا تاريخ الوطن حقهم لتعريف النشء بأعمالهم وبطولاتهم.
بن بلة أفنى حياته في النضال وجرب السجن والإقامة الجبرية مارس المعارضة والمصالحة وصافح الجميع بقلب متسامح رجل لم تهزه الضربات الموجعة من أخلائه ولم يتوقف قلبه عن النبض رغم الهزات الإرتدادية المتتالية في حياته وحينما جاء الأجل مات بن بلة في العاصمة مرفوعا على الأكتاف كما دخلها قبل نصف قرن في وسط زغاريد وأفراح
لم يمت بن بلة ولن يموت لأنه خالد بيننا بخصاله وأعماله وأيضا بمواقفه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق