قراءات نقدية: ديوان من مذكرات طفل الحرب، للشاعرة وفاء عبد الرزاق
أحمد كاظم نصيف
السيرة الذاتية أم السيرة الشخصية للطفولة؟
مأساة طفولة من عدة فصول
ديوان الشاعرة العراقية وفاء عبد الرزاق التي تقيم في منفاها في لندن
(من مذكرات طفل الحرب)، وهو عبارة عن قصيدة شعرية مطولة، من خمسة عشرة مذكرة، وكل مذكرة تتضمن ستة مقاطع، تهيم الشاعرة في عالم الطفولة، وتعاشرها منذ الولادة وتقدمها لنا بصورة أكثر واقعية منها الى الخيالية، من خلال سيرة مصورة خلاقة،
الديوان :
ترتدي الشاعرة وفاء عبد الرزاق، قناع الطفولة، وتستعير صرخة ، لتضع أمامنا سيرة طفولة، تارة ذاتية، وأخرى شخصية، وتعيدنا الى اعمال مبدعة، كمسرحية الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي بجزئيها، الحسين ثائرا، والحسين شهيدا،وكقناع صلاح عبد الصبور في مسرحيته الشعرية الحلاج، وكذلك مسرحية عبد الرزاق عبد الواحد، الشعرية، الحر الرياحي، والتي وصف بها القناع (الشاعر نفسه)، في معرض أجابته على سؤال ألأديب عبد العزيز المقالح، أيهم أنت ؟، فأجاب (فيّ كثير من شخصية الحسين عليه السلام، وقليل من شخصية الشمر، و كل الحر الرياحي)، وكذلك قناع الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته (في المغرب العربي)، ونحن اذ نأخذ بأعتبارات عدة، أن الشخصيات هنا صريحة ومطلقة، كبطولة وكأسطورة، مايدعونا الى أن الشاعرة وفاء تبرز أهمية الطفولة، كعموم وتحيلها الى خاص، من كونها رمزا، وتنادي الى، أن الطفولة أصبحت أسطورة، من خلال هذه المذكرات، ونحن هنا لانخوض في المنهج التحليلي الوصفي، كما تقول الدكتورة بشرى البستاني،(على أعتبار أن المنهج الوصفي قد أندثر، ولايوجد منهج تحليلي، لأن التحليل آلية تستخدمها كل المناهج، ومهمة الشعر العربي، تأسيس المعنى)،
ومن حيث المبدأ، تعلن لنا الشاعرة أنها ترتدي قناع الطفولة، بتصريح منها في أول ألكلام (ألأهداء) وأن كان خارج المتن،
(المدينة تعترف :
هذه الوجوه حوار
وأنت المشتبه به المهيأ للسطو،
المشتبه بها
وفاء)
................
وعلى أعتبار أن السيرة ذاتية، فكونها تعود في (المذكرة الاولى، البحر ليس طفلاً)، المقطع (1)، الى المكان (الولادة – مسقط الراس) وهذا يعني المدينة، وتستعير الشجرة كناية عن النخلة، والنخلة تدلنا بدقة الى مدينة البصرة في العراق، وكذلك يتعين الزمان أيضا، كون مدينة البصرة كانت من جبهات القتال في الحرب العراقية – الايرانية، 80 – 88، واستقبلت رصاصا وقنابل، فتعينت لنا ذاتية السيرة، مكانا وزمانا، تقول :
أمد رأسي الى الدار
(لأتذكر ماقالته الشجرة لأغصانها)
تسبقني رصاصة تشبهني تماما
كل شيء يصبح طفلا
حتى ألأطياف الراحلة
تفرد أمي ذراعيها
يخرج وجهي من جيب قلبها
ليسبقني الى العتبة
لكن الرصاصة تفتح عالم الحبر
......................................
وتنتهي بتفاصيل المقطع الخامس والسادس، سيرة عقد الثمانينات، وتنهي بدورها المذكرة الاولى،
لتتناول بالمذكرة الثانية (أمرأة واحدة لاتكفي)، عقد من السنين ترك جرح قد يطول بنا التاريخ لنسيانه ولم ينته ألأ بالكي !!
وتكبر الطفولة، على آمل أن تمارس حقها في التعليم، ولكن حظها لم يكن أفضل حالا من طيور، الشاعرة ريم قيس كبة في ديوانها (نوارس تقترف التحليق)، حيث ممارسة الحق يصبح تهمة، ويبدأ الحصار، متمثلا بالبطاقة التموينية الرعناء، التي تنام في جيب مثقوب، (المقطع الاول)، وهنا تتحول السيرة من ذاتية الى سيرة شخصية، بعموم المكان، وتنتقل من مدينة البصرة الى مدينة بغداد وبالتحديد، ملجأ العامرية، الذي مزق به دعاة الحرية أجساد الطفولة وأحالوها الى اشلاء و رماد، :
أو رقصتم على قفزات الشظايا ؟
هكذا رقصت زينب أبنة جارنا
وأهدتني عينها الممتلئة بالدخان لأشبع
..............................................
ولأن ملجأ العامرية، كان غاص، بالنساء، وألأطفال، والشيوخ، (أكثر من 600 شخصا)، أحرق منهم 420 طفلا وتلاحمت أجسادهم، وأختلطت أشلاائهم، (أسف لا أستطيع تكملة المشهد، ومن يريد معرفة المزيد عليه البحث في مصادر اخرى، قبلي منذ زمن، أعتذرت الكاتبة خديجة عبد الرحمن، في كتابها، سكينة، عن رواية تفاصيل معركة الطف، وطلبت من يريد قراءتها الذهاب الى أبي فرج ألأصفهاني)، تقول وفاء، بتعبير بليغ فيه من ألأسى ما يوجع (المقطع الثاني) :
أشم صمغ الجثث
أقلب أوراق الحرب
باحثا عن اسم له من أنفاسي بللها
أجلس على كرسي بنصف رجل
........................................
وتتوالى الصورة بين أعمدة الدخان، وألأرتعاش، في مشهد غاية في القبح، وتستمر الذكريات ولكن هذه المرة على عكاز :
الذكريات بلا أذرع
والطنين يصفق لعمر غض
فتسقط من عكازها
ذكريات بلا أذرع
......................
وينتهي من حيث لا ينتهي مشهد من أعنف مشاهد الرعب في التاريخ، لأصحاب أكبر تمثال للحرية في العالم، الذي خلعت الشاعرة وفاء، رداءه، واطفاة شعلته، وتمت تعريته تماما، وتنتقل بنا الشاعرة (المقطع الثالث)، بسؤال الى ألأرض، كيف تحمل فوق ظهرها كل هذا الظلم ؟ :
دار
دور
نار...، تأكل الرؤوس
واحشاء أعشابها نهب شرار
كل شيء تلاشى
أيتها ألأرض ألأكثر صبرا على حمم تلتهم ألأسئلة
.............................................................
وتختتم الشاعرة ماساة الطفولة باعلان الشهادة :
أخرجوا
قاعة الدنيا تحطمت
رقبتي عن جسدي افصلت
...............................
وتجيد الشاعرة في تجسيد واقع طفولي اليم، من خلال عوالم طفولة ومراحلها، تصاحبها بدقة متناهية عوالم القتل، والقهر، والحرمان، والخوف، وفي غاية من التعبير تعري المجتمع الانساني، وترسم خارطة واسعة لعالم قد ينتبه من حيث يدري ولا يدري، بأن الطفولة تنتظر غد يحترق، وليس بوسعها ان تحلم لتفيق على دوي جديد، يقول الشاعر محمود درويش في قصيدته،
لي حكمة المحكوم بألأعدام :
ونمت مضرجا ومتوجا بغدي
حلمت بأن قلب ألأرض أكبر
من خريطتها
وأوضح من مراياها ومشنقتي
....................................
لكنه يفيق من حلمه على نداء الحارس الليلي، بتأجيل حياته الى موت جديد، والشاعرة وفاء عبد الرزاق في مذكراتها هذه، هل ترثي الطفولة، هل تنذر بغد اكثر سوادا ؟، لسنا هنا في معرض اختراع ألأسئلة، وأختراع لها أجوبة، فنحن امام نص واضح وصريح، والديوان يزخر بصور ومشاهد، فيها مايدعو الى التامل الفني والتاويل كذلك، من الموضوع ومعالجته، من خلال الترميز، وألأستعارات، والوصف المكثف، كذلك يتضح جهد الشاعرة في اشتغالها على النص من حيث توافق البناء، وهذه المذكرات تشكل صرخة ضمير انساني تدعو الى التضامن مع الطفولة في العالم اجمع، لما فيها من شمولية موضوعية ولغة عالمية، وان لم يخل النص من المفردات المحلية، لما يتطلبه البناء الفني للنص، والحفاظ على تفصيل الاحداث في آن، وقد تمت ترجمة العمل الى اللغة الانكليزية، واللغة الايطالية، واللغة الفرنسية، وسوف تتم ترجمته الى اللغة الاسبانية واللغة المانية،
أحمد كاظم نصيف
ناقد عراقي
ميلاانو - ايطاليا
أحمد كاظم نصيف
السيرة الذاتية أم السيرة الشخصية للطفولة؟
مأساة طفولة من عدة فصول
ديوان الشاعرة العراقية وفاء عبد الرزاق التي تقيم في منفاها في لندن
(من مذكرات طفل الحرب)، وهو عبارة عن قصيدة شعرية مطولة، من خمسة عشرة مذكرة، وكل مذكرة تتضمن ستة مقاطع، تهيم الشاعرة في عالم الطفولة، وتعاشرها منذ الولادة وتقدمها لنا بصورة أكثر واقعية منها الى الخيالية، من خلال سيرة مصورة خلاقة،
الديوان :
ترتدي الشاعرة وفاء عبد الرزاق، قناع الطفولة، وتستعير صرخة ، لتضع أمامنا سيرة طفولة، تارة ذاتية، وأخرى شخصية، وتعيدنا الى اعمال مبدعة، كمسرحية الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي بجزئيها، الحسين ثائرا، والحسين شهيدا،وكقناع صلاح عبد الصبور في مسرحيته الشعرية الحلاج، وكذلك مسرحية عبد الرزاق عبد الواحد، الشعرية، الحر الرياحي، والتي وصف بها القناع (الشاعر نفسه)، في معرض أجابته على سؤال ألأديب عبد العزيز المقالح، أيهم أنت ؟، فأجاب (فيّ كثير من شخصية الحسين عليه السلام، وقليل من شخصية الشمر، و كل الحر الرياحي)، وكذلك قناع الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته (في المغرب العربي)، ونحن اذ نأخذ بأعتبارات عدة، أن الشخصيات هنا صريحة ومطلقة، كبطولة وكأسطورة، مايدعونا الى أن الشاعرة وفاء تبرز أهمية الطفولة، كعموم وتحيلها الى خاص، من كونها رمزا، وتنادي الى، أن الطفولة أصبحت أسطورة، من خلال هذه المذكرات، ونحن هنا لانخوض في المنهج التحليلي الوصفي، كما تقول الدكتورة بشرى البستاني،(على أعتبار أن المنهج الوصفي قد أندثر، ولايوجد منهج تحليلي، لأن التحليل آلية تستخدمها كل المناهج، ومهمة الشعر العربي، تأسيس المعنى)،
ومن حيث المبدأ، تعلن لنا الشاعرة أنها ترتدي قناع الطفولة، بتصريح منها في أول ألكلام (ألأهداء) وأن كان خارج المتن،
(المدينة تعترف :
هذه الوجوه حوار
وأنت المشتبه به المهيأ للسطو،
المشتبه بها
وفاء)
................
وعلى أعتبار أن السيرة ذاتية، فكونها تعود في (المذكرة الاولى، البحر ليس طفلاً)، المقطع (1)، الى المكان (الولادة – مسقط الراس) وهذا يعني المدينة، وتستعير الشجرة كناية عن النخلة، والنخلة تدلنا بدقة الى مدينة البصرة في العراق، وكذلك يتعين الزمان أيضا، كون مدينة البصرة كانت من جبهات القتال في الحرب العراقية – الايرانية، 80 – 88، واستقبلت رصاصا وقنابل، فتعينت لنا ذاتية السيرة، مكانا وزمانا، تقول :
أمد رأسي الى الدار
(لأتذكر ماقالته الشجرة لأغصانها)
تسبقني رصاصة تشبهني تماما
كل شيء يصبح طفلا
حتى ألأطياف الراحلة
تفرد أمي ذراعيها
يخرج وجهي من جيب قلبها
ليسبقني الى العتبة
لكن الرصاصة تفتح عالم الحبر
......................................
وتنتهي بتفاصيل المقطع الخامس والسادس، سيرة عقد الثمانينات، وتنهي بدورها المذكرة الاولى،
لتتناول بالمذكرة الثانية (أمرأة واحدة لاتكفي)، عقد من السنين ترك جرح قد يطول بنا التاريخ لنسيانه ولم ينته ألأ بالكي !!
وتكبر الطفولة، على آمل أن تمارس حقها في التعليم، ولكن حظها لم يكن أفضل حالا من طيور، الشاعرة ريم قيس كبة في ديوانها (نوارس تقترف التحليق)، حيث ممارسة الحق يصبح تهمة، ويبدأ الحصار، متمثلا بالبطاقة التموينية الرعناء، التي تنام في جيب مثقوب، (المقطع الاول)، وهنا تتحول السيرة من ذاتية الى سيرة شخصية، بعموم المكان، وتنتقل من مدينة البصرة الى مدينة بغداد وبالتحديد، ملجأ العامرية، الذي مزق به دعاة الحرية أجساد الطفولة وأحالوها الى اشلاء و رماد، :
أو رقصتم على قفزات الشظايا ؟
هكذا رقصت زينب أبنة جارنا
وأهدتني عينها الممتلئة بالدخان لأشبع
..............................................
ولأن ملجأ العامرية، كان غاص، بالنساء، وألأطفال، والشيوخ، (أكثر من 600 شخصا)، أحرق منهم 420 طفلا وتلاحمت أجسادهم، وأختلطت أشلاائهم، (أسف لا أستطيع تكملة المشهد، ومن يريد معرفة المزيد عليه البحث في مصادر اخرى، قبلي منذ زمن، أعتذرت الكاتبة خديجة عبد الرحمن، في كتابها، سكينة، عن رواية تفاصيل معركة الطف، وطلبت من يريد قراءتها الذهاب الى أبي فرج ألأصفهاني)، تقول وفاء، بتعبير بليغ فيه من ألأسى ما يوجع (المقطع الثاني) :
أشم صمغ الجثث
أقلب أوراق الحرب
باحثا عن اسم له من أنفاسي بللها
أجلس على كرسي بنصف رجل
........................................
وتتوالى الصورة بين أعمدة الدخان، وألأرتعاش، في مشهد غاية في القبح، وتستمر الذكريات ولكن هذه المرة على عكاز :
الذكريات بلا أذرع
والطنين يصفق لعمر غض
فتسقط من عكازها
ذكريات بلا أذرع
......................
وينتهي من حيث لا ينتهي مشهد من أعنف مشاهد الرعب في التاريخ، لأصحاب أكبر تمثال للحرية في العالم، الذي خلعت الشاعرة وفاء، رداءه، واطفاة شعلته، وتمت تعريته تماما، وتنتقل بنا الشاعرة (المقطع الثالث)، بسؤال الى ألأرض، كيف تحمل فوق ظهرها كل هذا الظلم ؟ :
دار
دور
نار...، تأكل الرؤوس
واحشاء أعشابها نهب شرار
كل شيء تلاشى
أيتها ألأرض ألأكثر صبرا على حمم تلتهم ألأسئلة
.............................................................
وتختتم الشاعرة ماساة الطفولة باعلان الشهادة :
أخرجوا
قاعة الدنيا تحطمت
رقبتي عن جسدي افصلت
...............................
وتجيد الشاعرة في تجسيد واقع طفولي اليم، من خلال عوالم طفولة ومراحلها، تصاحبها بدقة متناهية عوالم القتل، والقهر، والحرمان، والخوف، وفي غاية من التعبير تعري المجتمع الانساني، وترسم خارطة واسعة لعالم قد ينتبه من حيث يدري ولا يدري، بأن الطفولة تنتظر غد يحترق، وليس بوسعها ان تحلم لتفيق على دوي جديد، يقول الشاعر محمود درويش في قصيدته،
لي حكمة المحكوم بألأعدام :
ونمت مضرجا ومتوجا بغدي
حلمت بأن قلب ألأرض أكبر
من خريطتها
وأوضح من مراياها ومشنقتي
....................................
لكنه يفيق من حلمه على نداء الحارس الليلي، بتأجيل حياته الى موت جديد، والشاعرة وفاء عبد الرزاق في مذكراتها هذه، هل ترثي الطفولة، هل تنذر بغد اكثر سوادا ؟، لسنا هنا في معرض اختراع ألأسئلة، وأختراع لها أجوبة، فنحن امام نص واضح وصريح، والديوان يزخر بصور ومشاهد، فيها مايدعو الى التامل الفني والتاويل كذلك، من الموضوع ومعالجته، من خلال الترميز، وألأستعارات، والوصف المكثف، كذلك يتضح جهد الشاعرة في اشتغالها على النص من حيث توافق البناء، وهذه المذكرات تشكل صرخة ضمير انساني تدعو الى التضامن مع الطفولة في العالم اجمع، لما فيها من شمولية موضوعية ولغة عالمية، وان لم يخل النص من المفردات المحلية، لما يتطلبه البناء الفني للنص، والحفاظ على تفصيل الاحداث في آن، وقد تمت ترجمة العمل الى اللغة الانكليزية، واللغة الايطالية، واللغة الفرنسية، وسوف تتم ترجمته الى اللغة الاسبانية واللغة المانية،
أحمد كاظم نصيف
ناقد عراقي
ميلاانو - ايطاليا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق